مولاي أحمد الوكيلي
ولد أحمد الوكيلي الحسني سنة 1909بمدينة فاس، ينحدر من أسرة شريفة تتوارث هواية الموسيقى عن ولع بالنوبة الأندلسية، كان والده يحفظ الكثير من النوبات الإحدى عشر، وعلى إلمام بالعزف على آلة البيانو، لم يكن يعلم أن ولده هذا سيصير فنانا ممارسا يقام له بين أنداده، فبالأحرى أن يحترف الموسيقى والغناء نهائيا إلى أن يرتبط اسمه بطريقة متميزة، وكسائر الأسر المغربية في ذلك الوقت ألحقته بالكتاب ثم بجامع القرويين
في القرويين حفظ الأشعار الأولى ومن ضمنها نصوص يتغنى بها في صنائع النوبات الأندلسية كان قد سمع بعضها مغناة في بيت أسرته، وكان من بين تلك الأشعار نصوص لليوسي والششتري وابن الفرض والحلبي وابن الخطيب في المديح والتصوف، فكانت تلك الأشعار وهي ملحنة مما يسهل حفظها أكثر من تلك التي بدون لحن
ومن هناك كانت البداية فتولدت الرغبة في المزيد، ثم تطورت إلى اندماج فكان المنعطف، وتحول فقيه المستقبل إلى فنان أصيل مجيد ومجدد ورائد في طريقته وكانت لحظة تاريخية، تقبلت حياته رحمه الله بين ثلاثة مراكز من أهم المراكز التي تعطي للفن مكانته
ففي فاس نشأ وتكون إلى أن أصبح في عداد الشيوخ، ولأسباب عائلية صرفة ثم أسباب غامضة لعل من ضمنها مضايقة سلطة الحماية له بفاس أو شعوره بذلك جعله يغادر مدينة فاس باتجاه مدينة طنجة سنة 1937 التي شهدت معركة ماء بوفكران بمكناس ونفي الزعيمين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني
وكان قد قرر اعتزال الموسيقى لما استقر بطنجة ففتح دكانا وبدأ يمارس عمله بعيدا عن أجواء الفن، إلا أن مكانته كانت معروفة عند الهواة والفنانين بطنجة فاقترحوا عليه استئناف نشاطه الفني، ثم أسندوا إليه رئاسة جوق ( إخوان الفن ) فعاد لنشاطه الفني منذ ذلك العهد
وكانت مناسبة زار فيها الحسن بن المهدي الخليفة السلطاني بالشمال آنذاك مدينة طنجة ، فتقدم بعض الوجهاء وأعضاء الجوق بملتمس من سموه من أجل تكريم الفنان أحمد الوكيلي فعينه أستاذ بالمعهد الموسيقي بتطوان، وظل مقيما بطنجة يتردد على تطوان أسبوعيا، حيث كانت مهمة الإشراف على قسم الموسيقى العربية بيد المرحوم العياشي الواركلي وهو فنان من أكبر حفاظ تطوان في ذلك الوقت، وقد تبادلا مستعملات من النوبة الأندلسية، وهناك من ينسب صنائع بسيط الحسين للواركلي الذي رواها للوكيلي، وهي صنائع لم تكن دارجة بين الحفاظ قبل أي يسجلها الوكيلي للإذاعة بإلحاح من الأستاذ عبد اللطيف خالص مدير الإذاعة آنذاك
وتعود أسباب مغادرته إلى طنجة عوامل موضوعية، ذلك أنه بعد وفاة البريهي سنة1945 ووفاة المطيري 1946 وقع شعور بالحاجة إلى من يخلف أحدهما، وحيث أن الوكيلي هو المجاز من الإثنين بكيفية موثقة فكر بعض المهتمين في إرجاعه إلى فاس فتكون جوق فاس سنة1947 وكانت نية الوكيلي أن يظل مقيما في طنجة ومحتفظا بمهمته مع جوق ( إخوان الفن ) إلا أن البعض دس له مع أراد الجوق وهو غائب في فاس يرتب أمره في التوفيق لمهمته المزدوجة بين طنجة وفاس، وحين عودته وجد الجو قد تغير فحزم أمره وانتقل نهائيا إلى فاس، إلا أنه يبدو أن إقامته بفاس لم تستمر طويلا لأسباب غامضة لم يكن يبيح بها
ومنذ سنة 1953 حط الرحال بمدينة الرباط هو وأسرته فأسندت إليه مهمة جوق الطرب الأندلسي بالإذاعة إلى يوم وفاته في 25 نونبر 1998
لا يمكن ولا يجوز الحديث عن الوكيلي من منطلق جاهز، فهو لا يخضع لتأويل أو حدس أو تخمين كما لا يجوز دراسة إنجازاته تأسيسا على أحكام متداولة، إنه متفرد ومتميز في منهجه وطريقة عمله وفي ذهنيتة الثقافية، امتزج بالنوبة الأندلسية في بعدها الأدبي والثقافي والجمالي هو ومحمد الجعيدي وعبد الكريم الرايس ومحمد التازي مصانو وأحمد لبزور التازي ومحمد العربي التمسماني آخر العنقود الذي اختزل قرونا من الممارسة الشفوية فنقلوها إلينا تراثا متكامل التركيب و البنيان