محمد الصادقي مكوار
في فاس رأى الراحل محمد الصادقي مكوار النور ذات يوم من أيام سنة 1927 هناك في العاصمة العلمية للملكة نشأ وترعرع حاضنا منذ الصبا هوسه الموسيقي وشغفه الجمالي
كانت البدايات عبارة عن خربشات طفولية ومتواليات إيقاعية عفوية يترنم بها الطفل محمد الصادقي مكوار أما م صبية الحي وزملاء الدراسة ففي السادسة من عمره بدأت تظهر عيه ملامح الوله بالموسيقى والألات الوترية فصنع بمساعدة أخرين الة عود اعتمادا على علبة زيت فارغة وقطعة من خشب هذه الألة لازمت الصادقي مكوار فترة من الزمن ولازمها هو بدوره فكان في كل مرة يسعى إلى تطوير أدائه وتجويد مهارته في العزف
كبر محمد الصادقي وكبر معه شغفه الموسيقي الذي تحول من خربشات طفولية إلى منهج موسيقي واشتغال جمالي تدعمه أسس الدراسة الأكاديمية ذلك أن الفنان الراحل زاوج بين الموهبة الموسيقية والعشق الإيقاعي والتكوين الأكاديمي حيث حصل بالعاصمة الفرنسية باريس على دبلوم في الموسيقى واخر في الديكور هذه العناصر الثلاثة الموهبة العشق التكوين منحته الأساس المتين ليعلن عن نفسه فنانا ذا قيمة جمالية لايستهان بها
في سنة 1958 أصدر أغنيته الأولي جنان سبيل التي كتب كلماتها ولحنها بلعيد السوسي وهي الأغنية التي حصل من خلالها الصادقي مكوار على كل الإعتراف بموهبته ومكانته في خريطة الأغنية المغربية
واصل الصادقي مكوار طريقه بين منعرجات الموسيقى وشوارع الغناء فقدم العديد من الأغاني وترنم بالكثير من الموضوعات التي امتزج فيها الحب والعشق والهيام بقضايا الوطن ومشكله الأكبر انذاك مع المستعمر الفرنسي
لحن صاحب “جنان سبيل ” لإيليا أبو ماضي قصيدته الشهيرة”إبتسم”
وأعلن من خلالها عن ذالك الحوار الجميل بين شخصين يمتلك أحدهما روحا متفائلة بينما يرتمي الأخر في متاهات القتامة والتهجم
قال : السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التهجم في السما قال الصبا ولي فقلت له : ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما قال : التي كانت سمائي في الهوى صارت لنفسي في الغرام جهنما خانت عهودي بعدما ملكتها قلبي فكيف أطيق أن أتبسما
قلت : ابتسم وأطرب فلو قارنتها قضيت عمرك كله متألما
غنى الصادقي مكوار لصاحب ديوان الحرية عبد الكريم بن ثابت قصيدته ” ذكرت عندما يبسم الفجر ” واقتبس من المنجر النصي لأبي عبدالله المكناسي تلك الكلمات الجميلة عن الحب وفلسفة العشق حيث غنى له بدا الغرام مجون وبعد ذلك شجون والحب ضر ونفع وجنة وجنون حينما نفي الملك الراحل محمد الخامس رحمه الله تفاعل الصادقي مكوار مع الموقف وانداح يغني
سلوني على حبيبي فين ماكان
سلوني على حبيبي فجميع البلدان
ليؤكد بعده من كلمات زوجته خديجة بلفتوح
أنا لحبيب ديالي والله لانسيتو
أنتما ياعدياني ديرو لي بغيتو
ويترنم في المجالس والسهرات الغنائية
حبيتو حبيتو وروحي لي عطيتو
والقلب لي شاغلو فيه أنا خبيتو
علاوة على موهبته الغنائية كان يمتلك هذا الفنان موهبة وبراعة متميزة في العزف على ألة العود التي أحبها وأخلص لها فكان ينزلها في قلبه منزلة الحبيب ويتعامل معها معاملى الأب لإبنه حتى أنه من حبه فيها صار يصنعها عيدانه بنفسه لتتحول هذه الصناعة بعد إحالته على التقاعد إلى معمل قائم الذات لازال مستمرا في الوجود إلى الأن في عزفه على الألة العود كان محمد الصادقي مكوار لايرضى بغير رسم أقواص الجمال وعروش البهاء وكانت مهارته العالية في العزف تساعده كثيرا في تحقيق هذا الهذف وعلاقته بصناعة الألات الموسيقية لم تنحصر في ألة العود بل تعدتها إلى صناعة ألة الهارب إذ يعتبر أول مغربي يصنع ألة الهارب والتي قدمها في معارض عبر مجموعة من الدول العربية عايش الحاج الصادقي مجموعة من رواد الأغنية المغربية مثل الحاج محمد فويتح ونسج علاقات فتية وإتسانية قوية مع كل من أحمد البيضاوي وعبد القادر الراشدي إسماعيل أحمد الحبيب الإدريسي وعبد الواحد التطواني محمد بن عبد السلام وغيرهم كثير
سياسيا إنتمى الحاج الصادقي إلى حزب الإستقلال وجماليا زاوج بين الغناء والتصوير إذ يعتبر من رواد الكامير في المغرب وعلى يديه تعلم المصور المعروف محمد مرادجي تقنية التصوير
حمل الصادقي مكوار ألة تصويره وراح يرسل عدسة كاميراته لإلتقاط مشاهد حياتية وسياسية مختلفة فعمل مراسلا صحفيا لمجلة
باري ماتش
علاوة على اشتغاله بالإذاعة والتلفزة المغربية حضر مؤتمر دول عدم الإنحياز بصفته الصحفية وركب الطائرة التي أقلت جلالة الملك محمد الخامس إلى رحلته من المنفى إذ غطى مشاهد العودة وتفاصيل عملية الرجوع
محمد الصادقي مكوار بعد وقبل كل هذا يبقى ذلك الفنان المرهف الإحساس الذي رهن عمره للفن والجمال أوليس من المغاربة رجال ونساء صدقو الفن ماعاهدوا إليه
بالنسبة للملحن والمطرب الحبيب الإدريسي فالحاج محمد الصادقي مكوار أكبر من أن ينمحي من الذاكرة لأنه ذلك الفنان الجميل الخلوق والكريم حيث يقول
كان الصادقي مكوار يزورني باستمرار إنه الصديق الصدوق فقد شجعني أيام كثيرا أيا م الصبا ودعمني هو رجل مثقف وفنان رقيق ومربي فاضل ربي أولاده عن القيم والأخلاق سافرت رفقته كثيرا تقريبا زرنا معا في جولات فنية كل أنحاء المغرب الصادقي مكوار اشتغل في الإذاعة والتلفزة منتجا فنيا كان حينما تقتضي الضرورة يركب طائرة الهيليكوبتر ويشرع في تصوير المشاهد والأحداث سافر في رحلة فنية إلى مصر صحبة محمد فويتح ووردة الجزائرية وسجل الأغاني لكبريات دور التسجيل أنذاك مكوار أعطاني عودا كان يعزف عليه وكان دائما يلح علي بأن لا أمنحه لأحد من الأصدقاء الذي كانو يصرون على حيازته كان يقول رحمه الله يمكن أن أصنع لك عيدانا كثيرة ولكن هذا العود لاتفرط فيه رحم الله هذا الفنان المتميز والإنسان الفاضل
أما الفنان عبد الواحد التطواني فيقول : محمد الصادقي مكوار يمتلك ذوقا فنيا جميلا إنه من الفنانين الذين نفخوا روحا فنية جديدة في الأغنية المغربية خصوصا في شقها الشعبي لقد طور اللون الغنائي الذي كان يقدمه الراحل الحسين السلاوي ومنحه صبغة خاصة ولمسة جمالية متميزة مسيرته الفنية بدأت في الأربعينات من القرن الماضي بأحياء للسهرات والحفلات قبل أن تتبرعم هذه التجربة وتمضي في درب البهاء هو فنان بكل مافي الكلمة من معنى ودلالات كان رجل تعجبه النكثة وكان رحمة الله عليه مرهف الإحساس ذا تكوين ثقافي متنوع وكان يمتك بالإضافة إلى كل ذلك نظرة مستقبلية للفن والغناء المغربي فقد كان يقول سنة 1977 بأن الأغنية المغربية ستعاني أزمة في المستقبل وبالفعل تحققت هذه الرؤية الإستشرافية لرجل فهو يعلم جيدا تفاصيل الموضوع ويلم بكل جوانب الأغنية المغربية سواء من حيث التنظير أو الممارسة
إلتقيته في منتصف السبعينات في الجوق الجهوي لمدينة الدار البيضاء كان ملحنا متميزا وكانت له حلاوة لسان وأداب حديث تكشف عن أخلاقة العالية بوفاته خصرت الأغنية المغربية الكثير
أوليس من الفنانين المغاربة رجال صدقو الجمال ماعاهدوه عليه
************************************************
عن جريدة الأحداث المغربية العدد الأسبوعي 3534 بتاريخ 18 أكتوبر 2008
جلال عدناني