الأغاني العالمة والأغاني الشعبية-ترجمة
ترجمة الجزء الأول من الكتيب : الأغاني العالمة _ ذات قواعد موسيقية – والأغاني الشعبية – تلقائية -”
لمؤلفه برنار موسالي
ترجمة محمد شكري
1- مغامرات تاريخية
وجود المغرب الأقصى في أقصى غرب العالم العربي والإسلامي، جعل هذا البلد يعرف تاريخا موسيقيا معقدا، بحكم تداخلات وتأثيرات الثقافة الشامية، والسامية، والشامية السامية، والهندية الأروبية. غني بأنواع الموسيقى المختلفة والمتنوعة، تفتقر للدراسة والبحث، الشيء الذي يجعل من هذا الميدان مجالا خصبا للباحثين وهواة الموسيقى.
في الوقت الراهن، الأغاني الشعبية الحضرية (الملحون) ومحاكاة الموسيقى الغربية (راي، روك، بوب) هما الصنفين الأكثر انتشارا، والأكثر شعبية.
الموسيقى العالمة (طرب الآلة) مدعومة بدون مساعدة، من طرف المسؤولين والمعاهد الموسيقية ووسائل الإعلام السمعي البصري، غير أن هاته المجموعات الضخمة من الأركيسترات على الطريقة الغربية لا يجعل الناس يشعرون سوى بالملل القاتل.
لقد حاولنا أن نجعل المغاربة يعيدون اكتشاف تسجيلات سمعية، ترجع مي معظمها إلى فترة تمتد من 1920 إلى 1927، تلك التسجيلات التي عرفت مصيرها إلى التكسبر والرمي، بعد ظهور تقنيات فونوغرافية أفضل عند حلول الفترة الممتدة من سنة 1928 إلى 1930، العديد من الموسيقيين المذكورين هنا، لم يعد ذكرهم يمثل سوى أسماء وأساطير، بالنسبة للباحثين وهواة الموسيقى الذين سيمكنهم معرفتهم عن قرب، من خلال هذا الكتيب، والتعرف عن الرواد الحقيقيين الذين ساهموا في تطوير الموسيقى المغربية.
سنفتح عالما آخر، قديما جدا، نتعرف من خلاله على طرب الآلة والملحون، وقد ساهم غياب بنك وطني مغربي للمصطلحات الفونوغرافية، متكفل بالإداع القانوني منذ نشأة ما يسمى القرص، ساهم في حرمان الباحثين في الموسيقى والجمهور من وضع مقاربة ومقارنة مع الماضي.
هواة جمع الأسطوانات القديمة لا يسمحون بالإقتراب من ذخائرهم، وحتى من يقبلون بنسخ ما يتوفرون عليه، يفعلون ذلك بطريقة خارجة عن القوانين الجاري بها العمل، مقابل مبالغ مالية رنانة ومتعثرة،وهكذا نجد التسجيلات المنسوخة تعمل بطريقة يديوية أقرب إلى الصناعة التقليدية، ولا تحترم سرعة الأسطوانات ذات 78 دورة
في أوائل القرن العشرين، كان المغرب مهمشا من طرف شركات الأسطوانات التي كانت تفضل القاهرة وبيروت وتونس والجزائر لعمل تسجيلات موسيقية محلية، أظف إلى ذلك وضعية السلطان الصعبة وحالة عدم الإستقرار، عوامل ساعدت في هروب الشركات الإنتاجية الفونوغرافية… ورغم ذلك ظهرت أولى التسجيلات المغربية، للمغنيين الشعبيين الحضريين (منشدي قصائد الملحون)، وأعني أحمد أبو الحاج (بالدارجة : بلحاج) والبشير بن محمود (بنمحمود بالدارجة) سنة 1910 مع شركة
GRAMoPHONE
ومنذ الإحتلال الفرنسي سنة 1912 إلى غاية سنة 1950 كان المجال المغربي يعتبر محمية قنص خاصة بشركة فرنسية وهي
Pathé
هاته الشركة التي كانت تسوق منتوجاتها بمعايير تختلف تماما عن معايير شركات
Gramophone – Zonophon – Odéon – Baidaphon
الشركة الفرنسية كانت هتم فقط بالتسويق المحلي ولا تقوم بدعاية لمنتوجاتها في باقي دول العالم، خلافا لما كانت تقوم به الشركات الأخرى التي ذكرتها آنفا.
في المقابل، كانت سلطات الحماية الفرنسية تركز مجهودها على إنتاج ونشر الموسيقى الأمازيغية، خاصة في الجنوب، بتحريض من الكلاوي، باشا مدينة مراكش آنذاك
بل إن المسمى
Prosper Ricard
وهو موظف فرنسي في إدارة خدمة الفنون المحلية للمستعمرات، كان له اليد الطولى، في توجيه الموسيقى المغربية نحو تغريبها، تحت ذريعة التطور العلمي، دون الأخذ بعين الاعتبار الخصائص الثقافية المحلية
******
1- مغامرات تاريخية **الجزء الثاني
العديد من المحافظين المسلمين كانوا يرفظون أي احتكاك مع هاته الشركات لإنتاج الأسطوانات، إما لأسباب دينية أو لأخرى تقنية( الجلوس جنبا إلى جنب مع فنانين ذوي طبائع طائشة – مدة التسجيل قصيرة وجودة صوتية رديئة)، ولكن كبار فناني طرب الآلة كانوا يتعاملون مع تلك الشركات: إدريس أبن جلون (بنجلون بالدارجة)، عبد الرحمان زويتن، التهامي بن عبد الكريم، الفتحي برادة (توفي سنة 1932)، محمد التوسولي (التسولي بالدارجة)، محمد البريهي، عمر فائد الجعيدي، محمد ابن أحمد ابن منصور (توفي سنة 1940)ومحمد الصبان.
كبار الفنانين الآخرين كانوا متعددي الهيئات (الأصناف)، يجدون راحتهم في الآلة وفي الملحون : شلومو الصويري، عزوز ابن ناني (بناني بالدارجة)، دافيد ابن عروش، دافيد زاينو، المعلمة نجمة أو كما كانت تسمى نجمة اليهودية، إيستر التطوانية وعبد الرحمان الخرشفي من فاس.
هناك كذلك من الفنانين من تخصص في الملحون : عبد القادر باطيطا، عبد الرحمان ابن الشريف، إبن حبيب (بلحبيب بالدارجة)، محمد القاموري، المعلمة زهرة مطيرب، المعلمة بريكة (ابريكة بالدارجة)الشركاشية، محمد وحميدو التازي والشيخة زينب.
الأمازيغ (الشلوح): عبوش، عبد الله الناير، المختار ابن سعيد وتحية من تازوالت كانوا يقومون بمجهودات للتعريف بفنهم.
الفرق النحاسية للحرس الأسود للسلطان وطابور الشرطة المغربية لمدينة طنجة قدموا العديد من المعزوفات العسكرية الخاصة بسير مواكب الجنود،
مجموعات غير مسماة تستعمل المزامير الخشبية والطبول (الغيطة والطبل) قامت بتسجيل العديد من القطع الموسيقية الشعبية.
عناصر من الزوايا الدينية التابعة لفرق كناوة وعيساوة واحمادشة قاموا بتخليد بعض المقطوعات عبر تسجيلها على أسطوانات.
عازف البيان عادل النعماني من مدينة الدار البيضاء ومعه عازف العود اليهودي نسيم نقاب من مدينة فاس قاما بتسجيل تقاسيم على اسطوانات مستوحاة من الشرق عرفت نجاحا كبيرا.
****
المغامرات التاريخية – الجزء الثالث
********************************
كانت تقنيات التسجيل، غالبا ما ترتكب أخطاء فادحة: فإما أن التسجيل يبدأ متأخرا أي بعد بدأ الأغنية، أو ينقطع فجأة دون إتمام الأغنية، كذلك، كانت التسجيلات في الكثير من الأحيان، تحتوي على كلام الموسيقيين والمغنين وهم يهنئون بعضهم البعض، أو يتحدثون إلى الحاضرين ….، وهذا ما نجده في نهاية التسجيل مثلا.
تسجيلات النكت والمستملحات وكذلك سير البطولات الحكواتية، باللهجة الدارجة المعربة أو بالأمازيغية، لازالت تحضى بأهمية كبيرة لدى الباحثين في اللغات.
كانت الأغاني المسجلة ترفق بآلة الكمان، وآلة العود، والآلات الإيقاعية الخزفية : الدربوكة والتعريجة، أو الطبول الصغيرة دات الدوائر النحاسية (الطر) أو بدون دوائر نحاسية (الدف). الآلة الصغيرة المشكلة على هيئة قوس (الرباب) كانت في أغلب الأحيان غائبة، بحكم أنها تصدر أصواتا صامتة ومتدبدبة، تجعل التقاطها مستحيلا بواسطة تقنيات التسجيل المستعملة آنذاك.
كانت ألقاب الفنانين معقدة : فنجد « المسمع » يقصد به منشد القصائد الدينية، بينما « المعلم » ينطبق على الموسيقي أو المغني للقصائد العلمانية في العشق وما إلى ذلك وقد يكون مسلما أو يهوديا، أما « الأستاذ » فكان يقصد به ذلك الفنان المتأثر بالموسيقى الشرقية، كذلك لقب « شيخة » كانت تأخذه المغنية ذات الطبائع الطائشة الماجنة، و »الحاجة » للفنانة مغنية القصائد الدينية. « الرايس » او « الرايسة » للفنانين الأمازيغيين.
خلافا للتسجيلات الجزائرية أو المصرية، خاصة بالنسبة للموسيقى الحضرية والعالمة، الأسطوانات المغربية كانت تحتوي على أغان شعبية من أصل حضري، لم يكن هناك تسيير موسيقي من طرف كبار الموسيقيين الحضريين، كما نجد في الجزائر على يد المايسترو
Edmond Nathan Yafil
أو المايسترو منصور عواد في القاهرة بمصر، رغم أن كل شركة كان لها موسيقيوها ك »ادريس بناني » بالنسبة لشركة
Pathé.
في سنة 1928-1929 قامت الشركة اللبنانية « بيدافون » بعمل حصة طويلة وكبيرة للتسجيلات الإليكترونية ببرلين، وجمعت العديد من الفنانين المغاربيين والمشارقة، ومن ضمن هؤلاء، المغاربة : عبد اللطيف مولين -عازف العود-، التهامي بن عمر -مطرب-، وعبد الكريم الغربي -مطرب وعازف إيقاع-. في سنة 1928 وفي سنة 1930-31 قامت شركة
Gramophone
والفضل يرجع إلى الممثل والمغني الجزائري : محيي الدين باشا الترزي، قامت هاته الشركة بتسجيلات للفنانين : عبد السلام العيني، والحاجة عائشة العرجونية، والشيخة مينة، وفيفين، وزهرة الفاسية، والرايس بوجمعة،
هاته التسجيلات ستليها تسجيلات أخرى في الفترة الممتدة بين سنة 1932 وسنة 1938، من طرف شركة « بيدافون » التي لم تتردد في فتح حصص تسجيلية في باريس، خاصة بالفنانين الأمازيغيين : الرايس ميلود، وأبو العيد، وأبو بكر إينشادن، هاته التسجيلا كانت في أغلب الأحيان تشهد حضور المطرب المصري « محمد عبد الوهاب » الذي كان يأتي إلى باريس في مهام سينمائية.
شركة
Odéon
تعاقدت مع عازف الرباب « عمر فايد الجعيدي » والمطربين : « محمد الخصاصي » و »شلومو إبن حاييم »، بينما شركة
Columbia
اختارت التعاقد مع : الشيخة « فاطمة الورغة » من مدينة سلا، « شالوم ابن حاييم »، « شلومو الصويري »، والأمازيغيين محمد ابن سعيد، ومبارك ابن محفوظ الرحالي.
بدأ الفنانون يسجلون حقوقهم في
S.A.C.E.M.
لحمايتها.
—–
يتبع