محمد الحياني
ولد أسطورة الطرب المغربي الفنان الكبير محمد الحياني سنة 1948 بأحد الأحياء الشعبية(درب السلطان) بمدينة الدار البيضاء وسط أسرة متوسطة المستوى، غادر المؤسسات التعليمية في سن مبكرة ليلتحق بعدها بالمعهد الموسيقي لصقل مواهبه المنجذبة للغناء، متأثرا في ذلك برموز الطرب العربي والمغربي قبل أن يلتحق بفرقة الكورال التابعة للإذاعة، ويذكر الملحن عبد الحميد بنبراهيم في هذا السياق أنه تعرف على الراحل عن طريق الملحن والمغني محمد علي، ورشحه للغناء في الإذاعة مرتين دون أن تفلح مساعيه ولكن التجربة الثالثة كانت بمثابة الإنطلاقة الحقيقية في مسار الحياني بعد تقديم أول أغنية بعنوان «غياب الحبيب» للشاعر على الحداني، رغم أن البعض يرى أن أول أغنية أداها الحياني هي«يا وليدي». وقد تلت هذه التجربة الأولية سلسلة من الأعمال الناجحة خاصة مع الملحن المغربي حسن القدميدي من بينها: «الجرح برا »و«بارد وسخون»إلا أن نقطة التحول في المسار الفني للحياني تمثلت في الإشتغال مع عملاق التلحين عبد السلام عامر من خلال أغنية «قصة أشواق» و«وغنت لنا الدنيا» التي صورت في القاهرة واليونان والرائعة الخالدة«راحلة» التي كتبها الشاعر الكبير عبد الرفيع جواهري وعدت برأي العديد من المهتمين أطرب وأعذب ما أنتجت الأصوات المغربية. وقد تميزت فترة الثمانينيات من المسار الفني للحياني بخوضه للتجربة السينمائية الوحيدة من خلال بطولته لفيلم«دموع الندم» والذي قدم فيه أربعة أغان مشهورة :«وقتاش تغني يا قلبي»و«راجع»و«شوف بعيون مغرم» و«غابو لحباب»هذا مع العلم أن الراحل كان قد شارك رفقة أحمد البيضاوي واسماعيل أحمد وعبد الله عصامي وغيثة بن عبد السلام والكوكبي في أوبربت يحمل عنوان«رحلة أمير»لكن هذا العمل قد اختفى للأسف بمجرد انتهاء الجولة الفنية الوطنية. من جهة أخرى اعتبرمحمد بلقرشي (قريب وصديق الحياني) أن السنوات الأخيرة من المسار الفني للحياني تميزت بنوع من الإحباط بفعل الظروف والأجواء التي سادت حينها الوسط الفني لدرجة أن الراحل كان قد فكر في الاعتزال لولا الضغوطات التي مارستها عليه العائلة قصد مواصلة المشوار الغني بالعطاء الذي اختتمه الحياني بالعديدمن الأغاني من بينها: «دنيا» و«أنت لي أنا ليك» و«مستحيل» و«ايليز» التي كان يرددها في الأيام الأخيرة من حياته لأسباب غير معروفة. وشكلت العلاقة الإنسانية والفنية التي كانت تجمع الحياني بالملك الراحل الحسن الثاني محطة متميزة في حياة ذلك الفنان الإستثنائي ، و في هذا الإطار ذكرت بعض المصادر أن الملك كان معجبا بأغاني« السي محمد» سيما أغنية«بارد وسخون» التي رددها في إحدى المرات، كما أن الحسن الثاني كان قد أطلق لقب العندليب على الحياني تشبيها له بعبد الحليم حافظ للتقارب الصوتي بينهما، هذا بالإضافة إلى أن الملك كان قد اقترح على الموسيقار محمد الموجي التعامل مع الحياني، لكن الملحن المصري أبى إلا أن يفشل المشروع الجميل بعد مطالبته بمبلغ خيالي كشرط للإشتغال مع «صاحب راحلة» التي أبدعها ملحن مغربي. في نفس السياق ذكر محمد بلقرشي أن هناك عملا فنيا محتملا جمع المطرب المغربي والموسيقار المصري الشهير بليغ حمدى إلا أن هذا الإنتاج الفني لم يستطع تجاوز أسوار القصر الملكي. كما تكرست هذه العلاقة من خلال تكفل الملك الراحل بمصاريف علاج الحياني وواجبات دفنه في الثالث عشر من شهر نونبر من سنة 1996 لتطوى بعد ذلك صفحة من العطاء والشهرة والألم والمعاناة والموت الذي غيب أحد رواد الأغنية المغربية في انتظار ميلاد من هو قادر على التغني بالكلمة الأصيلة واللحن العذب وترديد: «وقتاش تغني يا قلبي إلى ما غنيتي اليوم، أحلى ما عندك يا قلبي كولو بين أحبابك اليوم».